هل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست- حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي- عند حدود النقل فقط دو الإضافة أو الحذف؟ و هل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه و لا بد أن نتوجه له بالتحية؟ و هل السيناريست له دور-ايجابي أو سلبي- حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم.
بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟
كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل.
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب" 1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة.
رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي Cross Cutting ؛ حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث و هكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، و هذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته- وحيد حامد- قد وجد أمامه الكثير من الأحداث و الشخصيات و القصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/منفصلة- لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفي أي دور أو ايجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء- نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم.
و لذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين.
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم Zoom على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت).
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان".
يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟
في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم).
و لذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها.
و لعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها).
و لعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين.
و هنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له.
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر و الظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى.
و لكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا.
إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا ترى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيق (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه.
إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه.
إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته.
و من خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال.
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل و المؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي Cross Cutting حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم Zoom ، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ.
إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة.
إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد.
أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث.
يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم.
بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟
كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل.
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب" 1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة.
رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي Cross Cutting ؛ حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث و هكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، و هذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته- وحيد حامد- قد وجد أمامه الكثير من الأحداث و الشخصيات و القصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/منفصلة- لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفي أي دور أو ايجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء- نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم.
و لذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين.
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم Zoom على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت).
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان".
يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟
في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم).
و لذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها.
و لعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها).
و لعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين.
و هنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له.
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر و الظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى.
و لكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا.
إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا ترى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيق (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه.
إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه.
إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته.
و من خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال.
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل و المؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي Cross Cutting حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم Zoom ، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ.
إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة.
إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد.
أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث.
يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
No comments:
Post a Comment